فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَمَّا كَانَ اللَّفْظُ مُحْتَمِلًا لِجَمِيعِ ذَلِكَ وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَيْهِ وَأَنْ لَا يُخَصَّ مِنْهُ شَيْءٌ بِغَيْرِ دَلَالَةٍ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْت أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ».
وَرَوَى سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ».
وَرَوَى عُبَيْدُ اللَّهِ الْوَصَّافِيُّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا آمَنَ مَنْ أَمْسَى شَبْعَانَ وَأَمْسَى جَارُهُ جَائِعًا».
وَرَوَى عُمَرُ بْنُ هَارُونَ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ سُوءُ الْجِوَارِ وَقَطِيعَةُ الْأَرْحَامِ وَتَعْطِيلُ الْجِهَادِ».
وَقَدْ كَانَتْ الْعَرَبُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تُعَظِّمُ الْجِوَارَ وَتُحَافِظُ عَلَى حِفْظِهِ وَتُوجِبُ فِيهِ مَا تُوجِبُ فِي الْقَرَابَةِ، قَالَ زُهَيْرٌ: وَجَارُ الْبَيْتِ وَالرَّجُلُ الْمُنَادِي أَمَامَ الْحَيِّ عَقْدُهُمَا سَوَاءُ يُرِيدُ بِالرَّجُلِ الْمُنَادِي مَنْ كَانَ مَعَكَ فِي النَّادِي، وَهُوَ مَجْلِسُ الْحَيِّ.
وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: مَعْنَى الصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ أَنَّهُ الْجَارُ الَّذِي يُلَاصِقُ دَارُهُ دَارِهِ وَإِنَّ اللَّهُ خَصَّهُ بِالذِّكْرِ تَأْكِيدًا لِحَقِّهِ عَلَى الْجَارِ غَيْرِ الْمُلَاصِقِ.
وَقَدْ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدٍ بْنُ عُثْمَانَ الْقُرَشِيُّ وَرَّاقُ أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالَ: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ عَنْ أَبِي خَالِدٍ الدَّالَانِيِّ عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ الْأَزْدِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيِّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إذَا اجْتَمَعَ الدَّاعِيَانِ فَأَجِبْ أَقْرَبَهُمَا بَابًا، فَإِنَّ أَقْرَبَهُمَا بَابًا أَقْرَبَهُمَا جِوَارًا، وَإِذَا سَبَقَ أَحَدُهُمَا فَابْدَأْ بِاَلَّذِي سَبَقَ».
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّ أَرْبَعِينَ دَارًا جِوَارٌ».
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ شَبِيبٍ الْمَعْمَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُصَفَّى قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ السِّفْرِ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يُونُسَ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ كَعْبٍ بْنُ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَقَالَ: «إنِّي نَزَلْت بِمَحَلَّةِ بَنِي فُلَانٍ وَإِنَّ أَشَدَّهُمْ لِي أَذًى أَقْرَبُهُمْ مِنْ جِوَارِي، فَبَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيًّا أَنْ يَأْتُوا بَابَ الْمَسْجِدِ فَيَقُومُوا عَلَى بَابِهِ فَيَصِيحُوا ثَلَاثًا أَلَا إنَّ أَرْبَعِينَ دَارًا جِوَارٌ وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ خَافَ جَارُهُ بَوَائِقَهُ» قَالَ: قُلْت لِلزُّهْرِيِّ: يَا أَبَا بَكْرٍ أَرْبَعِينَ دَارًا؟ قَالَ: أَرْبَعِينَ هَكَذَا وَأَرْبَعِينَ هَكَذَا.
وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ الِاجْتِمَاعَ فِي مَدِينَةِ جِوَارًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَاَلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إلَّا قَلِيلًا} فَجَعَلَ تَعَالَى اجْتِمَاعَهُمْ مَعَهُ فِي الْمَدِينَةِ جِوَارًا.
وَالْإِحْسَانُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَكُونُ مِنْ وُجُوهٍ: مِنْهَا الْمُوَاسَاةُ لِلْفَقِيرِ مِنْهُمْ إذَا خَافَ عَلَيْهِ الضَّرَرَ الشَّدِيدَ مِنْ جِهَةِ الْجُوعِ وَالْعُرْيِ، وَمِنْهَا حُسْنُ الْعِشْرَةِ وَكَفُّ الْأَذَى عَنْهُ وَالْمُحَامَاةُ دُونَهُ مِمَّنْ يُحَاوِلُ ظُلْمَهُ وَمَا يَتْبَعُ ذَلِكَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَجَمِيلِ الْفِعَالِ.
وَمِمَّا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ حَقِّ الْجِوَارِ الشُّفْعَةَ لِمَنْ بِيعَتْ دَارٌ إلَى جَنْبِهِ؛ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. اهـ.

.من فوائد ابن العربي في الآية:

قال رحمه الله:
قَوْله تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا}: بِرُّ الْوَالِدَيْنِ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الدِّينِ فِي الْمَفْرُوضَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَبِرُّهُمَا يَكُونُ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ؛ فَأَمَّا فِي الْأَقْوَالِ فَكَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا} فَإِنَّ لَهَا حَقَّ الرَّحِمِ الْمُطْلَقَةِ، وَحَقَّ الْقَرَابَةِ الْخَاصَّةِ؛ إذْ أَنْتَ جُزْءٌ مِنْهُ، وَهُوَ أَصْلُكَ الَّذِي أَوْجَدَكَ، وَهُوَ الْقَائِمُ بِكَ حَالَ ضَعْفِكَ وَعَجْزِكَ عَنْ نَفْسِكَ.
وَقَدْ «عَرَضَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنْ كُنْت تُرِيدُ النِّسَاءَ الْبِيضَ وَالنُّوقَ الْأُدْمَ فَعَلَيْكَ بِبَنِي مُدْلِجٍ.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ مَنَعَ مِنِّي سَبْيَ بَنِي مُدْلِجٍ لِصِلَتِهِمْ الرَّحِمَ»
.
وَفِي الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ: أَنَّ يُوسُفَ لَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ أَبَوَاهُ فَلَمْ يَقُمْ لَهُمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَعِزَّتِي لَا أَخْرَجْت مِنْ صُلْبِكَ نَبِيًّا، فَلَا نَبِيَّ فِيهِمْ مِنْ عَقِبِهِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «إنَّ مِنْ أَبَرِّ الْبِرِّ أَنْ يَصِلَ الرَّجُلُ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ»؛ وَمِنْ حَقِّهِ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ، وَأَنْ يَأْكُلَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ؛ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ، وَإِنَّ وَلَدَهُ مِنْ كَسْبِهِ».
وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ.
فَإِنْ قِيلَ: إذَا أَخَذَ الْوَالِدُ الْهِبَةَ مِنْ الْوَلَدِ أَغْضَبَهُ فَعَقَّهُ، وَمَا أَدَّى إلَى الْمَعْصِيَةِ فَمَعْصِيَةٌ.
قُلْنَا: أَمَّا إذَا عَصَى أُخِذَ بِالشَّرْعِ فَلَا لَعًا لَهُ وَلَا عُذْرَ، إنَّمَا يَكُونُ الْعُذْرُ لِمَنْ أَطَاعَ اللَّهَ أَوْ عَصَى اللَّهَ فِيهِ.
فَإِنْ قِيلَ: هَلْ مِنْ بِرِّ الرَّجُلِ بِوَالِدِهِ الْمُشْرِكِ أَلَّا يَقْتُلَهُ؟ قُلْنَا: مِنْ بِرِّهِ بِنَفْسِهِ أَنْ يَتَوَلَّى قَتْلَهُ.
«قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ مُسْتَأْذِنًا فِي قَتْلِ أَبِيهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنْ أَذِنْت لِي فِي قَتْلِهِ قَتَلْته»: وَهَكَذَا فَعَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَلِلرَّحِمِ حَقٌّ، وَلَكِنْ لَمَا جَاءَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى بَطَلَ حَقُّ الرَّحِمِ.
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: قَوْله تَعَالَى: {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ}:
حُرْمَةُ الْجَارِ عَظِيمَةٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ مَعْقُولَةٌ مَشْرُوعَةٌ مُرُوءَةً وَدِيَانَةً؛ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْت أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ».
وَقَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ».
وَالْجِيرَانُ ثَلَاثَةٌ: جَارٌ لَهُ حَقٌّ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْمُشْرِكُ، وَجَارٌ لَهُ حَقَّانِ: الْجَارُ الْمُسْلِمُ، وَجَارٌ لَهُ ثَلَاثَةُ حُقُوقٍ: الْجَارُ الْمُسْلِمُ لَهُ الرَّحِمُ.
وَهُمَا صِنْفَانِ قَرِيبٌ وَبَعِيدٌ، وَأَبْعَدُهُ فِي قَوْلِ الزُّهْرِيِّ مَنْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ أَرْبَعُونَ دَارًا.
وَقِيلَ: الْبَعِيدُ مَنْ يَلِيكَ بِحَائِطٍ، وَالْقَرِيبُ مَنْ يَلِيكَ بِبَابِهِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ قَالَ لَهُ: «إنَّ لِي جَارَيْنِ، فَإِلَى أَيِّهِمَا أَهْدِي؟ قَالَ: إلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكَ بَابًا».
وَحُقُوقُهُ عَشَرَةٌ يَجْمَعُهَا الْإِكْرَامُ، وَكَفُّ الْأَذَى.
وَمِنْ الْعَشَرَةِ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ: «لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدُكُمْ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ».
وَقَدْ رَأَى جَمِيعُ الْعُلَمَاءِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ نَدْبًا لَا فَرْضًا، وَأَنْ يَكُونَ مَنْعُهُ مَكْرُوهًا لَا مُحَرَّمًا؛ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ أَحَقُّ بِمَالِهِ.
وَالْحَائِطُ يَحْتَاجُهُ صَاحِبُهُ؛ فَإِنْ أَعْطَاهُ نَقَصَ مَالُهُ، وَإِنْ أَعَارَهُ تَكَلَّفَ حِفْظَهُ بِالْإِشْهَادِ، وَأَضَرَّ بِنَفْسِهِ؛ فَإِنْ شَاءَ أَنْ يَحْتَمِلَ لَهُ ذَلِكَ فَلَهُ الْأَجْرُ، وَإِنْ أَبَى فَلَيْسَ عَلَيْهِ وِزْرٌ.
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: الصَّاحِبُ بِالْجَنْبِ:
قِيلَ: إنَّهُ الْجَارُ الْمُلَاصِقُ، وَاَلَّذِي قَالَ هَذَا جَعَلَ قَوْلَهُ: {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى} الْجَارُ الَّذِي لَهُ الرَّحِمُ.
وَقِيلَ: إنَّهُ الَّذِي يَجْمَعُكَ مَعَهُ رُفَاقَةُ السَّفَرِ، فَهُوَ ذِمَامٌ عَظِيمٌ، فَإِنَّهُ يَلُفُّهُ مَعَهُ الْأُنْسُ وَالْأَمْنُ وَالْمَأْكَلُ وَالْمَضْجَعُ، وَبَعْضُهَا يَكْفِي لِلْحُرْمَةِ، فَكَيْفَ إذَا اجْتَمَعَتْ؟. اهـ. بتصرف يسير.

.فوائد بلاغية:

قال في صفوة التفاسير:
البلاغة:
تضمنت هذه الآيات من الفصاحة والبيان والبديع ما يلي:
1- الإطناب في قوله: {نصيب مما اكتسبوا.. ونصيب مما اكتسبن} وفي {حكما من أهله وحكما من أهلها} وفي {والجار ذي القربى والجار الجنب}.
2- الاستعارة في [مما اكتسبوا] شبه استحقاقهم للإرث وتملكهم له بالاكتساب، وأشتق من لفظ الاكتساب اكتسبوا على طريقة الاستعارة التبعية.
3- الكناية في فقد {واهجروهن في المضاجع} فقد كنى بذلك عن الجماع وكذلك في {لامستم النساء} قال ابن عباس معناه: جامعتم النساء كما كنى عن الحدث بالغائط في قوله: {أو جاء أحد منكم من الغائط}.
4- صيغة المبالغة في {الرجال قوامون} لأن فعال من صيغ المبالغة ومجئ الجملة اسمية للإفادة الدوام والاستمرار.
5- السؤال عن المعلوم لتوبيخ السامع في قوله: {فكيف إذا جئنا} يراد بها التقريع والتوبيخ.
6- جناس الاشتقاق في {حافظات.. بما حفظ} وفي قوله: {بشهيد.. وشهيدا}.
7- التعريض في {مختالا فخورا} عرض بذلك إلى ذم الكبر المؤدي لاحتقار الناس.
8- الحذف في عدة مواضع مثل {وبالوالدين إحسانا} أي أحسنوا إلى الوالدين إحسانا. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
{وبالوالدين إِحْسَانًا} وتقدم الكلام على نظير هذا في البَقَرَةِ، واتَّفقوا على أن هاهنا مَحْذوفًا، والتَّقْدير: وأحسنوا بالوالدين إحسانًا؛ كقوله: {فضرب الرقاب} أي: فاضْربُوها، وقرأ ابن أبي عَبْلَة: {إحسان} بالرَّفع على أنَّه مُبْتَدأ، وخبره الجَارّ والمجرور قَبْلَهُ.
والمراد بهذه الجُملَةِ: الأمر بالإحسان وإن كانت خبريةً؛ كقوله تعالى: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} [يوسف: 18].
قوله: {وَبِذِي القربى} فأعاد الباء، وذلك لأنها في حق هذه الأمَّة، فالاعتناء بها أكثر، وإعادة الباء تدل على زيادة تأكيد فنتسب ذلك هنا، بخلاف آية البَقَرَة، فإنَّها في حقِّ بني إسْرائيل، والمراد الأمْر بصلَة الرَّحم، كما ذكر في أول السُّورة بقوله: {والأرحام} [النساء: 1].
وقوله: {والجار ذِي القربى} الجمهور على خفض الجارّ، والمراد به القَرِيب النَّسِيب، وبالجار الجُنُب: البعيد النَّسِيب.
وعن مَيْمُون بن مَهْرَان: والجار ذِي القُرْبَى، أُريد به الجارِ القريب، قال ابن عطيَّة: وهذا خطأ؛ لأنَّه على تأويله جمع بين ألَ والإضافة، إذ كان وَجْه الكَلاَمِ: وجار ذي القُرْبَى الجار القريب، ويمكن جوابُه على أن ذِي القُرْبَى، بدل من الجارِّ على حَذْفِ مُضَافٍ، أي: والجار ذِي القُرْبَى؛ كقوله: [الخفيف]
نَصَرَ اللهُ أعْظُمًا دَفَنُوهَا ** بسجِسْتَانَ طَلحة الطَّلحَاتِ

أي: أعْظُم طَلْحَة، ومن كلامهم: لو يعلمُون العِلْم الكبيرة سنة، أي: علم الكبيرة سنّه، فحذف البَدل لدلالة الكلام عليه.
وقرأ بعضهم: {والجار ذا القربى}: نصبًا، وخرجه الزَمَخْشَرِي على الاخْتِصَاص لقوله تعالى: {حَافِظُواْ عَلَى الصلوات والصلاة الوسطى} [البقرة: 238] والجُنُب صِفَة على فُعُل، نحو: ناقة سُرُح، ويَسْتَوي فيه المُفْرَدَ والمثّنَّى والجُمُوع، مذكرًا أو مؤنثًا، نحو: رجال جنب وقال تعالى: {وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا} [المائدة: 6]، وبعضهم يثنيه ويجمعه، ومثله: شُلُل، وعن عَاصِم: والجَار الجَنْبِ، بفتح الجيم وسُكُون النون وهو وَصْفٌ أيضًا بمعنى المُجَانِب، كقولهم: رجل عَدْل، وألفُ الجَار عن واو؛ لقولهم: تجاورُوا، وجَاوَرْتُه، ويُجْمَع على جيرة وجِيَران، والجَنَابَةِ البُعْد؛ قال [الطويل]
فَلاَ تَحْرمَنِّي نَائلًا عَنْ جَنَابَةٍ ** فَإنِّي امْرُؤٌ وَسْطَ القبابِ غَريبُ

لأن الإنْسَان يُتركُ جَانبًا، ومنه {واجنبني وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأصنام} [إبراهيم: 35]، وأصله من الجَنَابَة، ضِدّها القَرَابَة، وهو البُعْدُ، يقال: رَجُلٌ جُنُبٌ، إذا كان غريبًا مُتَبَاعِدًا عن أهله، ورَجُل أجْنَبِيٌّ، وهو البَعيد منك في القَرَابة، ومنه الجَنَابَة من الجِمَاع؛ لتباعده عن الطَّهَارَةِ وعن الصَّلاة حَتَّى يَغْتَسِل، وهذان الجنبانِ؛ لبُعْد كلِّ واحدٍ منهما عن الآخر.